غرائب الفتاوى.. بين طلب الجماهيرية والصدع بالحق
صحيفة الوطن السعودية - « الرياض: عضوان الأحمري » - 15 / 8 / 2010م - 3:35 م
شهدت الساحة الدينية خلال السنوات الأخيرة، صراعاً محتدماً بين فريقين: أحدهما يقدم نفسه على أنه معتدل والآخر تقليدي، ومحور الجدل حول طبيعة الفتاوى التي يرى البعض أنها "شاذة". وبين هذه وتلك، فتاوى شاذة وأخرى طبيعية، لكن التراجع كان السمة المشتركة في كثير منها خصوصاً بعد أن يتراجع المفتي بها لأسباب عديدة، إما اجتماعية أودينية أو فكرية أو بسبب عدم إدراكه لأبعاد فتواه. فتكون النتيجة التراجع أو البراءة مما قال بالاستناد على أدلة جديدة أو التصحيح والتوضيح.
ومع تزايد عدد القنوات الفضائية الدينية وبرامج الفتيا فيها، ومع ظهور مفتين جدد صاحب ظهورهم شذوذ في الفتوى وتحزب فيها، كان قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بحصر الفتيا في هيئة كبار العلماء وتحذير أصحاب الأهواء والآراء الشاذة من تعرضهم للعقوبة في حال خوضهم في ما يتعلق بعمل الهيئة وتصديهم للفتيا.
"الوطن" تستعرض مجموعة من الفتاوى التي تعتبر الأكثر غرابة وصدماً للمجتمع خلال السنوات الماضية:
ابن جبرين ونسب الأشراف
وبعيداً عن مواضيع المرأة والغناء والتكفير التي كانت الأشهر، أثار الشيخ الراحل عبدالله بن جبرين رحمه الله جدلاً واسعاً، وثارت حفيظة الأشراف بناءً على فتوى قديمة له حول نسبهم، قال فيها إنهم مستحقون للزكاة والصدقة لأنهم لا يرتبطون بنسب مباشر مع النبي صلى الله وعليه وسلم. إلا أنه تراجع في عام 2007م بعد مطالبات من الأشراف بتوضيح ما ورد في الفتوى، وكان التراجع والتوضيح بما نصه "إن أهل البيت هم ذرية من أشرف بيت وجد على وجه الأرض حسباً ونسباً، ولهم أنساب محفوظة إلى عصرنا الحاضر، ونحن لا نقدح في نسب أحد منهم، حيث تحققوا من صحة النسب وثبوته، والناس مأمونون على أنسابهم، ولا نحل لأحد أن يقدح في نسبهم أو ينال منهم، إننا نعرف لأهل البيت فضلهم وحقوقهم التي وردت في الكتاب والسنة واتفق عليها أهل العلم والإيمان، ومن جمع منهم بين اتباع السنة مع شرف النسب فقد جمع بين فضيلتين، ومن انحرف عن الصراط المستقيم، فلن ينفعه نسبه يوم القيامة. ونعتذر لكل من ساءته تلك الفتاوى التي لم نرد بها الإساءة لأحد، ولا نجيز لأحد أن يستغلها في الإثارة والتشكيك، ونحث المسلمين جميعاً على التمسك بالتقوى والحرص على جمع الكلمة والقضاء على مادة الاختلاف وأسبابه".
الهبدان ونقاب العين الواحدة
ومن الآراء الشاذة ما قال به الداعية محمد الهبدان في السادس من شهر سبتمبر عام 2008 والذي قام فيها بتحريم لبس النقاب أو كشف الوجه، وأجاز النقاب بعين واحدة فقط وكان نص الفتوى بعد سؤاله عن الحكم في لبس النقاب الذي يحتوي على فتحتين للعينين بقوله "لا يجوز لأن المرأة كلها عورة. ويجب عليها أن تحجب كامل جسدها عن غير محارمها. ولما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى: «يدنين عليهن من جلابيبهن». [ الأحزاب: 59]، غطى وجهه وأبدى عينا واحدة. فكانت نساء المؤمنين يبدين عينا واحدة للحاجة لرؤية الطريق. وبهذا يعلم أنه يقتصر في النقاب على فتحة صغيرة، لا تكبر الفتحة فتظهر العينان وما جاورهما ويكون في ذلك فتنة. والله أعلم". ولم يرد أحد على هذه الفتوى ولم تثر إلا في موقع العربية نت وبعض المنتديات الإلكترونية فقط.
قتل ميكي ماوس
وفي عام 2008 صدرت فتوى شاذة جديدة، لكن هذه المرة قتل دمية أو رسم كارتوني وكان مصدرها الداعية السوري المقيم في السعودية محمد المنجد والذي أفتى بجواز قتل "ميكي ماوس" في الحل والحرم كونها فأرة والفأر نجس في الإسلام وتقتل في الحل والحرم، وأثارت هذه الفتوى لغطاً كبيراً وتصدرت نشرات الأخبار الرئيسية في معظم القنوات الإخبارية العالمية وخصوصاً الأمريكية ومنها قنوات FOX وNBC وABC واستمر الحديث عنها 3 أيام متتالية حتى جاء البيان التوضيحي من الشيخ المنجد والذي قال فيه إن الدمية "ميكي ماوس" ليست هي المقصودة وقال "معلوم أن هذه شخصية كرتونية وهمية فكاهية لا دم لها حتى يهدر، ولا روح فيها".
البوفيه المفتوح حرام
ومن الفتاوى المثيرة الفتوى الصادرة للشيخ صالح الفوزان أثناء إلقائه محاضرة في أحد جوامع محافظة الطائف في صيف 2008م وتحديداً في شهر مايو، حين سأله أحد المستفتين بسؤال نصه «يقول فضيلة الشيخ وفقكم الله، بعض المطاعم تقوم بهذه الطريقة وهي ما يسمى بالبوفيه المفتوح بحيث إنك تدفع مبلغا محددا ثم تأكل ما تريد سواء كان الأكل بأكثر من قيمة هذا المبلغ أو أقل فما حكم هذه الطريقة؟» فكانت إجابة الشيخ الفوزان بقوله "لا يجوز.. هذا فيه غرر.. غرر وجهالة ويجب أن يحدد للإنسان مقدار ما يأكله من الطعام يومياً".
تفلية المرأة لرأس الرجل
وكان أكثر الآراء الشرعية والفتاوى إثارة للجدل وشذوذاً عما اعتاد عليه الناس هو ما أصدره رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة الشيخ أحمد بن قاسم الغامدي، والذي عرف عنه سابقا بعض المواقف المتشددة من الآثار وكذلك اعتراضه على أحد القرارات التي تقضي بمنع الهيئة من دخول الأماكن العامة، ولكن في أقل من 9 أشهر من تلك الآراء التي عرفت عنه أصدر فتوى مفصلة شاملة عن الاختلاط، يجيزه فيها ويسوق الأدلة التي نشرتها صحيفة "عكاظ".
ويرى الغامدي أن الاختلاط مصطلح مبتدع، وأنه يجوز للرجل سماع غناء النساء وضرب دفوفهن وكذلك عيادة المرأة للرجل إن كان مريضاً. كما أباح قص وحلق وفلي المرأة لرأس الرجل. هي النقطة الأهم في فتوى الغامدي، حيث لم يعترض كثيرون على مسألة الاختلاط بعينها، لكن على التفاصيل المصاحبة للفتوى.
ومما جاء في فتواه "وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطعمته، وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ، وهو يضحك، قالت فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر... الحديث".
أخرجه البخاري ومسلم، وفيه جواز دخول الرجل على المرأة في غير تهمة، وفيه جواز فلي المرأة رأس الرجل، ونحوه القص والحلق.
وقصة أم حرام هذه وقعت بعد نزول الحجاب، وبعد حجة الوداع كما حكاها ابن حجر في الفتح في شرح كتاب الاستئذان، وقد أشكل توجيهها على البعض فقال ابن عبدالبر: أظن أن أم حرام قد أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة.
ويضيف "ومن زعم أن ذلك من خصوصياته ، فقد تحكم بغير برهان فإن الخصوصية حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، والأصل مشروعية التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» وقال تعالى: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله» ولا يترفع عن التأسي بأفعال المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا متهوك ضال.
والصواب أن فلي المرأة رأس الرجل من الأمور الجائزة ونحوه القص والحلق، فالحديث يفيد جوازه وجواز الاختلاط".
الأحمد وهدم الحرم
وفي شهر مارس الماضي، دعا الداعية السعودي يوسف الأحمد إلى هدم الحرم المكي الشريف وإعادة بنائه على شكل أدوار منعاً للاختلاط في الطواف والسعي. إلا أنه تراجع بعدها بيومين في حديث إلى "الوطن" موضحاً ما قاله، ليعود مرةً أخرى بإصراره على حديثه الأول مستنداً إلى دراسة بحثية قدمها قبل مدة حول توسعة المسعى والمطاف، ومهدداً بمقاضاة كل من تعرض له أو انتقد رأيه أو قام بنشره في وسائل الإعلام. وكانت فتوى الأحمد من أشهر الفتاوى التي أثارت ضجة في العالم الإسلامي الأشهر الماضية بعد أن استنكرها علماء في مختلف الدول الإسلامية.
الكلباني والأغاني
وبين الفتاوى السابقة وتراجعات أصحابها، تبقى الفتوى الأحدث والأجرأ والتي لم يتبين بعد حول ما إذا كان صاحبها قد تبرأ منها أم لا. بطلها هو إمام الحرم المكي السابق عادل الكلباني ومفادها إباحة الغناء والاستماع إلى الأغاني بوجه عام، ثم عاد واستبعد الأغاني الماجنة. وبعد أسابيع من فتواه الشهيرة والتي تعرض على إثرها لضغوط وتحريضات منها فتاوى بعدم جواز الصلاة خلفه، تسربت إلى الإعلام أنباء عن تراجع الكلباني في حلقة تسجيلية ستبث الأيام القادمة يقدمها الداعية سعد البريك ويشارك فيها الدكتور سعد الشثري. إلا أن الكلباني نفى أنه أجرى حواراً مع الزميل مصطفى الأنصاري في صحيفة الحياة يتعلق بهذه الحلقة وبتراجعاته عنها، وهو ما يجعل الصمت هو سيد الموقف حتى تخرج الحلقة أو يعدل الكلباني عن تراجعه.