«المانجروف» بين مطرقة الردم الجائر وسندان الصرف الصحي
شبكة راصد الإخبارية - « جعفر تركي، أحمد المسري-القطيف » - 29 / 8 / 2010م - 1:47 م
أعمال الردم تتواصل فى صفوى
خطاب عاجل من الثروة السمكية بوقف ردم مليون متر شرق الناصرة
بعد أكثر من عامين على تناول «اليوم» الملف الشائك المتعلق بردم البحر، ظهر من جديد على الساحة مؤيدون لعمليات ردم البحر في مواقع مختلفة بمحافظة القطيف فى مقابل معارضة كبيرة من بعض الجهات الأهلية والحكومية لما يسببه هذا الردم من خلل في النظام البيئي.
ورغم أن مساعي تلك الجهات استطاعت ايقاف عمليات الردم في عدة مواقع كمشروع جسر صفوى رأس تنورة واخضاع الموقع للدراسة الا ان الآليات الضخمة لاتزال تواصل عملها فى ردم قناة تاروت وتحديداً بالمنطقة الواقعة شرق حي الناصرة، مهددة بإزالة ما تبقى من شجرة القرم «المانجروف» في مدينة القطيف.
خطورة الصرف
ولم تعد مياه محطة الصرف الصحي بشمال تاروت بالقرب من الزور أقل خطورة من الردم والتجريف على شجر المانجروف أوالقرم، بعد ان أصبحت مثل المد الأحمر الذي يحاصر ثاني أكبر غابة في خليج تاروت.
ولم يقتصر تهديد وقتل شجر المانجروف على أسلوب واحد أو اثنين ولم يكن الردم أوالتجريف هما مصدرا التهديد لهذه الشجرة البحرية فقط وإنما هناك أساليب متنوعة للقضاء عليها سواء عن قصد أو غير قصد، وكأن تواجدها في الساحل الشرقي على الخليج العربي قد أصدر عليها حكمًا بالاعدام بلا استئناف.
محطة ثلاثية
وأوضح مدير فرع المياه بمحافظة القطيف علي الصحاف أن محطة سنابس شمال جزيرة تاروت تم إنشاؤها منذ أكثر من 27 عامًا.
مشيرا الى أن إدارة المياه بصدد الانتهاء من إقامة محطة ثلاثية جديدة تعتبر من أحدث المحطات بتكلفة تزيد عن 64مليون ريال.
موضحًا أنه تم إلغاء 3 أحواض في الطرف الشرقي من المحطة لإقامة المحطة الحديثة والتي تقوم بالمعالجة بنسبة لاتضر الحياة البحرية أبداً، كما يمكن استخدام مياهها المعالجة فى ري الزراعة ونحن على وشك الانتهاء منها فلم يتبق سوى فترة تتراوح ما بين 3 إلى 5 اشهر لتشغيلها وأن طاقتها الاستيعابية تبلغ 52 ألف متر مكعب يوميًا.
بينما ما يصل اليوم لايتعدى 30 ألف متر مكعب، مشيرا إلى مراعاة الزيادة السكانية والتوسعات المستقبلية، إلا أنه وبعد مرور المدة المحددة للتشغيل فإن بقايا عمليات المعالجة لاتزال تصب في البحر خارجة من المحطة القديمة.
تدمير البيئة
وتقوم جمعية صيادي الأسماك بالشرقية بالتنقل من دائرة حكومية الى أخرى سعيا منها لوقف تدمير البيئة البحرية بتاروت ومحاولة لوقف الردم المتواصل حيث وقف أعضاء اللجنة الرباعية الى جانبها ومطالبتها بوقف عمليات الردم إلا أن باقي الجهات لم تلتفت لجهود الجمعية وتعتني بهذه الورقة التي اعتبرتها الجمعية ملزمة لوقف الردم بهذا الاتجاه.
ثروة سمكية
وقال نائب رئيس جمعية الصيادين بالشرقية جعفر الصفواني ان الجمعية لم تيأس وتواصل جهدها لوقف عمليات الردم الملاصق لقناة تاروت من الجهة الغربية، مؤكدا ان جميع أعمال الردم بالمنطقة مخالفة.
وأشار الى إصدار خطاب موجّه من الثروة السمكية إلى أمين المنطقة الشرقية ونسخة منه إلى بلدية محافظة القطيف تطالب بوقف الردم شرق الناصرة والتي تفوق مساحتها مليون متر مربع منوهاً الى ان الخطاب كان عاجلاً ويحمل رقم "2978/5/12 وصدر بتاريخ 13/8/1431هـ لحين عمل دراسة بيئية للمنطقة وان الخطاب وصل الى المسئولين والمجلس البلدي لديه علم بذلك ولكن لم يسجل أحد من المجلس البلدي أي طرح للموضوع.
مطالباً المجلس بوقف الردم، وأكد الصفواني أن الردم مخالف للأوامر السامية منوهاً الى محضر اللجنة الوزارية المشكلة "بالأمر السامي الكريم رقم 1231/8 في 11/7/1403 والمعتمد بموجب الأمر السامي رقم 1861/8 في 27/8/1404 هـ والمتضمن بالنسبة لجزيرة تاروت ان تظل على وضعها الحالي دون ردم المياه المحيطة بها".
مشاتل القرم
وأشار نائب رئيس جمعية الصيادين بالشرقية الى ان المنطقة بعد ردمها ستصلح لإقامة مشاتل لشجر القرم بعد إزالة قشرة الرمل الحر والوصول للطين وعمل مسارات للزراعة والتي تعتبر منطقة غنية وصالحة لإقامة مشتل دائم للمنطقة حسب رأي الخبراء.
لجنة رباعية
ولفت عضو جمعية الصيادين داوود سلمان آل إسعيد إلى أن من يزعم وجود أمر من اللجنة الرباعية عليه إظهاره، فالمقاول والمسئولون في البلدية يزعمون أن هناك أمرا صادرا من اللجنة الرباعية بذلك ونحن ننفي وجود ذلك وخاطبنا أعضاء من اللجنة الرباعية وأثبتوا أنه لا توجد موافقة بذلك وخير دليل على ذلك وقوف الثروة السمكية ضد الردم ومطالبتها بوقفه.
منطقة معزولة
وأكد آل إسعيد أن زعم البلدية أن المنطقة معزولة غير صحيح، فالمنطقة يتواجد فيها أشجار القرم وأسماك صغيرة ترتادها، وأما الزعم بأن المنطقة تكثر فيها الحشرات والبعوض غير مثبت وهذا يعتبر تخبّطات في عالم البحار، فالمياه في المنطقة تخضع للمدّ والجزر على الرغم من إيجاد حواجز رملية مفتعلة من قبل المقاول.. وهذا يعتبر كافياً لحراك المياه مما لا يسمح بتواجد البعوض والحشرات وارتفاع درجات الحرارة فوق 45 درجة مئوية في المنطقة يمنع ذلك أيضاً خاصة في مثل هذه الشهور من العام.
غابات المانجروف
ومن جانبه أكد الباحث والأستاذ المساعد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران الدكتور محمد قربان وجود مقارنة ومتابعة لغابات شجر المانجروف في خليج تاروت عبر الأقمار الصناعية منذ عام 1973م.
منوها الى ان مساحة الغطاء من هذه الشجرة آنذاك كانت 622 هكتارا وتقلصت هذه المساحة حتى وصلت في العام 1999م إلى 390 هكتارا، وحذر من اسهام تناقص المساحات المزروعة فى حالة استمرار الردم والتجريف ورمي المخلفات وقيام المشاريع المختلفة دون الالتفات للدراسات البيئية المتخصصة فى اختلاف التوازن البيئي البحري وأن أي تلاعب فى البيئة سيحدث تغيرات لا تحمد عقباها.
نباتات ضرورية
وأوضح قربان أن نبات المانجروف يعتبر من النباتات الضرورية للحياة البحرية لأهميته في التوازن البيئي وأن تواجد هذه الشجرة على الخليج العربي من نعم الله على هذه البلاد فهذه الشجرة تعتبر الحاضنة والرحم لتكاثر الكثير من الكائنات البحرية وان تواجدها في مكان ما يعتمد على كثير من الظروف، فلا بد من توفر البيئة المناسبة لقيام مثل هذه الشجرة الثمينة منوها ان لشجر المانجروف أنواعا وما يتواجد في الخليج هو المعروف بالقرم ولا تقتصر أهميته على الحياة البحرية فقط وانما تشمل الإنسان أيضاً بسبب اعتماده على كثير من اللحوم البحرية.
ردم وتجريف
وقال الباحث قربان ان هناك مؤثرات كثيرة تؤدي لتغير توازن شجر المانجروف على الخليج العربي معتبرا الردم والتجريف ورمي المخلفات ومياه الصرف الصحي لها الضرر الأكبر على غابات وشجر المانجروف.
مشيرا الى التعاون الحثيث بين جامعة الملك فهد وشركة أرامكو حول المحافظة والاستزراع لشجر القرم على السواحل الشرقية حيث بدأ التفكير في أن تكون هناك متابعة ودراسات دقيقة على هذه الشجرة وحمايتها لأهميتها في التوازن البيئي فتواجدت مشاريع ضخمة ودراسات علمية دعمتها شركة أرامكو السعودية واجريت دراسة عام 1984م حول المانجروف بينت التناقص المستمر للشجرة ويعتبر ذلك مؤشرا خطيرا على التوازن في البيئة البحرية مما دعا شركة أرامكو وجامعة الملك فهد الى التعاون لإيجاد البديل وتعويض التناقص واختيار منطقتين في رأس أبو علي ومنطقة في التناقيب.
19 عاما
ولفت د. قربان الى أن الدراسة والاستزراع برأس أبو علي بدأ بمساحة 25 مترا مربعا وبعدد 108 شتلات فقط، وفي عام 1995م كان هناك 93 نبتة جديدة من نبات القرم وفي العام 1996م ارتفعت الى 282 نبتة أما في عام 1999م وصل العدد إلى 8150 نبتة جديدة وفي العام الحالي بدأت بكونها غابة فقد ازدادت المساحة من 25 مترا مربعا إلى 300 ألف متر مربع خلال 19 عاما.
استزراع القرم
وأكد حرصهم على الحفاظ واستزراع القرم في بعض الأماكن المتعددة منوها الى انه ليس المهم لدينا الاستزراع والمحافظة على شجر المانجروف وقيام غابات وأشجار القرم، بل المهم هو جذب الحياة والكائنات وإحداث توازن بيئي بحري حتى نضمن استمرار تكاثر الحياة البحرية مبينا حرص جامعة الملك فهد وشركة أرامكو السعودية على المحافظة والاستزراع وتقديم الدراسات الكبيرة من أجل بقاء شجر المانجروف وسيتم ذلك في المستقبل كذلك.
110 انواع
وبين أن هناك 110 انواع من شجر المانجروف وعمرها الافتراضي يتراوح بين 60 و80 سنة ويعتبر معدل الوقت اللازم لاستبدال غابة المانجروف تقريبا من 150 إلى 170 سنة وهي تنتشر على الخليج العربي وعلى الشواطئ المتاخمة لجزيرة تاروت وأبي علي بالمنطقة الشرقية. لافتا الى أهمية هذا النوع من الشجر بيئيا وأنها بدأت تنقرض بسبب الردم والتجريف الجائر.
الحياة البحرية
وحذر قربان من تدهور بيئات المانجروف وتأثيرها على الحياة البحرية، منوها الى أهمية توضيح طرق معالجة أسباب تدهور المنطقة المزروعة بالشجر من خلال حصر وتقيم بيئات المانجروف المتجددة في جميع مناطق الخليج وتحديد بعض مواقع بيئات المانجروف الحساسة بيئياً في الخليج وإعلانها مناطق محمية من أي نشاط بشري، وكذلك مراجعة وتقييم وتحديث النظم والقوانين الخاصة بعمليات الردم والتجريف.
كما يجب تضمين دراسة تقويم الأثر البيئي في دراسة أي مشروع يقام على الخليج العربي خاصة بالقرب من مناطق المانجروف وإعادة تأهيل بعض المواقع المتدهورة بسبب عمليات الردم والتجريف عن طريق استزراع نباتات المانجروف.
دراسة أكاديمية
وأوضح المهتم بشجر المانجروف المهندس حسين عبد الكريم الحجري ان معرفة أهمية أشجار المانجروف عالميا وقيمتها الاقتصادية تتطلب الرجوع لدراسة اكاديمية قامت بها جامعة كاليفورنيا في 13 موقعا بحريا بالتعاون مع معهد سكريبس لعلوم المحيطات ونشرت نتائجها مؤخرا.
وخلصت الدراسة إلى أن العائد الكمي "محصول الصيد" يتناسب طرديا مع طول الساحل المزروع بالمانجروف.
مبينا ان العلماء قدروا القيمة المالية لشجر المانجروف بـ "37500" دولار امريكي في العام لكل هكتار "الهكتار يساوي 10 آلاف متر مربع"، علما بأن الدراسة أجريت في خلجان تماثل في بيئتها البحرية بيئة الخليج العربي.
56 مليونا
وأضاف أن اي عملية حسابية تطبيقية تبين أن المنطقة الممتدة من سيهات مرورا بعنك وحتى القطيف "حوالي 5 كيلو مترات طولا في متوسط عمق 800 متر "، خسرت أكثر من 56 مليون ريال في العام وعالميا تتناقص غابات المانجروف بنسبة واحد إلى اثنين بالمائة سنويا وهو معدل يفوق التناقص الحاصل للشعب المرجانية والغابات الاستوائية، ومنظمة الغذاء والزراعة بالأمم المتحدة تقدر أن غابات المانجروف مهددة بشكل خطير.
خليج تاروت
وقال الحجري أظهرت الدراسة التي قامت بها إدارة موارد المياه والبيئة بمعهد البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن إن شباك الجر الساحلية قرب القطيف وسنابس وسيهات أعطت أكبر إنتاج للربيان، حيث توفر المناطق القريبة من الشاطئ لخليج تاروت الحماية لمجمعات نباتات المانجروف الغنية بالمواد المغذية الضرورية لحياة الكثير من الحيوانات البحرية.
وتشير نتائج الدراسة إلى التأثير السلبي الذي تخلفه النشاطات، حيث تقع مناطق الصيد بالقرب من نشاط سكاني يشمل عمليات الردم والجرف والصيد والعديد من النشاطات التجارية المختلفة ما أثر على مدى الإنتاجية وعلى البيئة في المنطقة الذي أدى بدوره إلى نقص كميات الأسماك والربيان في شباك الجر الساحلي، وأكد أن الثروة السمكية وشجر القرم مكونان اقتصاديان وحق للأجيال الحالية والمقبلة وعلى الجميع مسؤولية المحافظة.