سؤال : لماذا تنسِب الشيعة الحسن و الحسين و أبنائهما إلى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و تقول بأنهم أبناء الرسول و ذرّيته ، و الحال أنهما من أبناء علي و فاطمة ، و هي بنت رسول الله ، و النسب إنما يكون عن طريق الأب لا الأم ؟
جواب : يُعتبر هذا الموضوع من جملة المواضيع التي يتكرر التساؤل عنها على مدى القرون و الأعصار ، و لقد أجاب عنه العلماء الأعلام بإجابات حسب مقتضى الحال ، لكن أفضل إجابة على هذا السؤال هو ما أجاب به الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السَّلام ) حينما طرح عليه هارون العباسي هذا السؤال ، فكانت الإجابة منه ( عليه السَّلام ) على شكل حوار جرى بينهما كالتالي :
قال هارون العباسي للإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السَّلام ) : لِمَ جوّزتم للعامّة و الخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و يقولوا لكم : يا بَني رسول الله ! و أنتم بَنو علي ، و إنّما يُنسب المرء إلى أبيه ، و فاطمة إنّما هي وعاء ، و النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) جدّكم من قِبَل اُمّكم ؟ .
فقال الكاظم ( عليه السَّلام ) : يا أمير المؤمنين [1] ! لو أنَّ النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تُجيبه ؟
فقال هارون : سبحان الله ! و لم لا اُجيبه بل أفتخر على العرب و العجم و قريش بذلك .
قال الكاظم ( عليه السَّلام ) : لكنّه لا يخطب إليَّ و لا أُزوجه .
فقال هارون : و لم ؟
قال الكاظم ( عليه السَّلام ) : لأنّه ولدني و لم يلدك .
فقال هارون : أحسنت يا موسى !
ثم قال هارون : كيف قلتم إنّا ذرّية النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) و النبي لم يعقب ، و إنّما العقب للذكر لا للأنثى ، و أنت ولد الإبنة و لا يكون لها عقب له .
قال ( عليه السَّلام ) : أسألك بحق القرابة و القبر و من فيه ، إلاّ أعفيتني عن هذه المسألة .
فقال هارون : لا ، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي ! و أنت يا موسى يعسوبهم و إمام زمانهم ، كذا اُنهيَ إليَّ ، و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، و أنتم تدّعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ألف و لا و او إلاّ تأويله عندكم ، و احتججتم بقوله عَزَّ و جَلَّ : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } [2] و استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم .
فقال الكاظم ( عليه السَّلام ) : تأذن لي في الجواب ؟
قال هارون : هات .
قال ( عليه السَّلام ) : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ } [3] من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟
فقال هارون : ليس لعيسى أب .
قال الكاظم ( عليه السَّلام ) : إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء ( عليهم السَّلام ) من طريق مريم ( عليها السَّلام ) ، و كذلك اُلحقنا بذراري النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) من قبل اُمِّنا فاطمة ( عليها السَّلام ) ، أزيدك يا أمير المؤمنين ؟
قال هارون : هات .
قال ( عليه السَّلام ) : قول الله عَزَّ و جَلَّ : { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [4] و لم يَدَّع أحد أنّه أدخل النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلاّ علي بن أبي طالب ، و فاطمة ، و الحسن و الحسين ، فأبناءنا الحسن و الحسين ، و نساءنا فاطمة ، و أنفسنا عليّ بن أبي طالب ( عليهم السَّلام ) ، على أنّ العلماء فد أجمعوا على أنّ جبرئيل قال يوم اُحد : يا محمد ! إنَّ هذه لهي المواساة من علي قال : لأنّه مني و أنا منه .
فقال جبرئيل : " و أنا منكما يا رسول الله " ثمّ قال :
لا سيف إلاّ ذو الفقار * و لا فتى إلاّ علي [5]
فكان ـ أي علي ( عليه السَّلام ) ـ كما مدح الله عَزَّ و جَلَّ به خليله ( عليه السَّلام ) إذ يقول : { قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } [6] .
إنّا نفتخر بقول جبرئيل أنّه منّا .
فقال هارون : أحسنت يا موسى ! ارفع إلينا حوائجك [7] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] هكذا ذكر في المصدر الذي نقلنا منه .
[2] سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 38 .
[3] سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 84 و 85 .
[4] سورة آل عمران ( 3 ) : 61 .
[5] المناقب للخوارزمي : 167 ، حديث 200 ، مناقب علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لابن المغازلي : 197 حديث 234 وصفحة : 199 حديث 235 ، تاريخ الأمم والملوك للطبري : 2 / 514 ، شرح نهج البلاغة لا بن الحديد : 1 / 29 ، ذخائر العقبى : 68 و 74 ، و بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 41 / 83 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود باصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
[6] سورة الأنبياء ( 21 ) الآية : 60 .
[7] مناظرات في العقائد و الأحكام : 240، تأليف و تحقيق عبد الله الحسن ، الطبعة الأولى سنة :1420 هجرية ، نقلاً عن : الاحتجاج للطبرسي : 2 / 389 – 292 ، و عيون أخبار الإمام الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 78 – 82 باب 7 حديث 9 ، و تحف العقول : 404 – 405 ، بحار الأنوار : 10 / 241 – 242 ، و 48 / 125 ، و 93 / 240 و 101 / 334 ، و التذكرة الحمدونية لابن حمدون : 7 / 180 ، بتفاوت .