دعا سماحة الشيخ حسن الصفار إلى الانفتاح على مدرسة أهل البيت وخصّ بدعوته أتباع المدرسة السلفية، من أجل تجاوز حالة القطيعة، والإسهام في بناء وحدة الأمة، مستعرضاً مظاهر التعتيم والتجاهل لمدرسة أهل البيت ، ومشيراً إلى أسباب ذلك، وأكّد على المكاسب التي تعود بها حالة الانفتاح بين المذاهب الإسلامية.
تمهيد
وأشار سماحة الشيخ في بداية محاضرة الليلة الثانية من محرم الحرام 1429هـ إلى حديث الثقلين المروي عن رسول الله والذي يقول فيه: ((أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي))، ونقله من كتاب (سلسلة الأحاديث الصحيحة) للشيخ محمد ناصر الدين الألباني (توفي: 1420هـ) حديث رقم (1761) المجلد الرابع. مؤكداً أن هذا الحديث متواتر، وقد ورد في مختلف مصادر الحديث عند السنة والشيعة. وأشار إلى أن الشيخ الألباني يُعتبر من أبرز علماء المدرسة السلفية في وقتنا المعاصر، وقد عدّه الشيخ بن باز المفتي الراحل انه الأعلم في الحديث حيث قال: ما رأيت تحت أديم السماء عالماً بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة الشيخ ناصر الألباني. وقد منح الألباني جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام 1419هـ. وأضاف الشيخ الصفار: إن الشيخ الألباني أورد لهذا الحديث أكثر من طريق، وردّ مفصّلاً على من أنكر صحته.
المحور الأول: هل لأهل البيت مدرسةٌ في فهم الإسلام؟
وأوضح سماحة الشيخ أن الإسلام إنما يُؤخذ عبر النصوص الدينية سواءً من القرآن الكريم أو أحاديث الرسول ، مضيفاً: إن القرآن الكريم قطعي الصدور، إلا أنه قد يكون الاختلاف في فهم آياته، فمن أين تُفهم آياته؟ وأحاديث الرسول إضافةً إلى أنه قد يكون الاختلاف في فهما أيضاً، لابد من التحقق من ثبوت صدورها عن رسول الله .
واستعرض الشيخ الصفار عدداً من المدارس الإسلامية في مجال العقيدة والفقه، ففي مجال العقيدة ذكر:
- مدرسة الأشاعرة، نسبة (لأبي الحسن الأشعري – توفي 324هـ) وهي الأكثر انتشاراً عند أهل السنة، وتُرجّح جانب النقل.
- مدرسة المعتزلة، ورأسها (واصل بن عطاء)، وهي ترجّح جانب العقل، وتؤوّل النص لصالح العقل.
- المدرسة الماتريدية، نسبة (لأبي منصور الماتريدي – توفي 333هـ).
- مدرسة الخوارج.
- المدرسة السلفية، بدأت في القرن الرابع الهجري، وإمامها الإمام أحمد بن حنبل، وفي القرن السابع الهجري جُدّدت على يد ابن تيمية، وعندما جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد أحياها من جديد.
وأضاف الشيخ الصفار: في الفقه هناك مذاهب إسلامية متعددة وهي: المذهب الحنفي، الشافعي، المالكي، الحنبلي، الظاهري، الأباضي.
وتساءل سماحته: هل أهل البيت ضمن أحد هذه المذاهب الفقهية أو المدارس العقدية؟ أم أن لهم فهماً خاصاً بهم، يتميزون به عن من سواهم؟ وقال في إجابته: بالطبع إن لأهل البيت مدرسة إسلامية، قد تتفق في بعض جوانبها مع المدارس والمذاهب الأخرى، وقد تختلف.
وقال مستنكراً: يتعجب الإنسان من تنكر البعض لمدرسة أهل البيت ، والأعجب من ذلك ما يصدر عن البعض من كلمات نابية لا تليق أبداً بمقام أهل البيت ، ومن ذلك ما قاله ابن خلدون في مقدمته: وشذّ أهل البيت في مذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به.
وأشار الشيخ الصفار إلى أن هناك أسباباً متعددة تؤكد اختصاص أهل البيت بمدرسة إسلامية خاصة، وأبرز تلك الأسباب:
- أمر الرسول الأمة بالأخذ بهم، والتمسّك بنهجهم، ولا معنى بذلك ان لم يكونوا أصحاب رأي وموقف.
- المكانة العلمية لأهل البيت ، والتي لا يُنكرها أحد. وقد ورد في صحيح البخاري، عن الخليفة عمر (حديث رقم 4481) قوله: أقرأنا أُبي، وأقضانا علي بن أبي طالب. وجاء عن الشيخ أبو زهرة قوله: ما أجمع علماء الإسلام من مختلف الطوائف والمذاهب في أمر، كما أجمعوا على فضل جعفر بن محمد وعلمه.
- رجوع الخلفاء والصحابة للإمام علي في مختلف القضايا التي تعصف بهم، حتى اشتهر عن الخليفة عمر قوله: لا أبقاني الله لمعضلةٍ ليس فيها أبو الحسن. وكذلك أخذ أئمة المذاهب وكبار علماء الأمة عن أئمة أهل البيت .
المحور الثاني: التعتيم والتجاهل لمدرسة أهل البيت
وأكد الشيخ الصفّار أن مدرسة أهل البيت تعرّضت للتعتيم والتجاهل، رغم أن الرسول الأعظم أوصى بهم، وأحال الأمة إليهم، وجعلهم عدل القرآن الكريم، إلا أن هذه المدرسة العظيمة عانت من التعتيم. وذكر بعض مظاهر هذا التجاهل:
- عدم الاعتراف بمذهب أهل البيت، وعدّه الشيخ الصفار غاية التجاهل، إذ من الغرابة أن يُعترف بمذاهب أئمتها تتلمذوا على يد أئمة أهل البيت بينما يُتجاهل مذهب أهل البيت . وأشار إلى مؤتمر قمة مكة الذي تم فيه الاعتراف بمذاهب إسلامية ثمانية ومنها مذهب أهل البيت ، وكذلك تصريح الشيخ شلتوت، شيخ الجامع الأزهر، حيث قال: بجواز التعبّد بمذهب أهل البيت . ويُضيف: إن مظاهر عدم الاعتراف بمذهب أهل البيت ما تزال واضحة، وخاصة من قبل التيار السلفي.
- عدم الاطلاع على تراث أهل البيت ، ومن النماذج الحديثة، الموسوعة الفقهية الصادرة عن وزارة الأوقاف الكويتية، ورغم أنها تقع في (45) مجلداً إلا أنها تخلو من آراء أهل البيت . مشيراً إلى جانب إيجابي لاحتواء موسوعة جمال عبد الناصر الفقهية على آراء أهل البيت وهي صدرت عام 1961م.
- عدم الحديث عن أهل البيت ، سواءً في الخطب، أو مناهج التعليم، أو في وسائل الإعلام.
- عدم نقل تراث أهل البيت .
وذكر سماحة الشيخ الصفار عدة أسباب لهذا التجاهل:
- السبب السياسي، حيث أن السلطات التي حكمت الأمة الإسلامية كانت تُحارب تراث أهل البيت .
- الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، وبالخصوص بين السلفيين والشيعة. فيتصور البعض أن ذكر سيرة أهل البيت يُعدّ انتصاراً للشيعة.
- الاستهانة والازدراء بتراث أهل البيت ، فقد يغتر البعض بما عنده، فيرى أنه ليس من اللازم الاطلاع على الرأي الآخر، وإن كانت فيه منفعة وفائدة كبيرة.
- تجنّب إدانة السلطات التي عاصرت أهل البيت .
- التشكيك في موثوقية مصادر تراث أهل البيت . وناقش الشيخ الصفار هذا الجانب من عدة زوايا:
o الطريق الطبيعي لأخذ آراء أي إمام إنما يتم عن طريق تلامذته.
o رواة الشيعة ليسوا خارج الثقة، وقد عدّ السيد شرف الدين الموسوي (100) من رواة الشيعة في مصادر السنة. كما أن علماء السنة يقبلون رواية الثقة الصدوق وان كان متبدعاً.
o بعض كلام أهل البيت وآرائهم متوفر في كتب أهل السنة أيضاً، فلماذا لا يتم نقلها؟
المحور الثالث: مكاسب الانفتاح على مدرسة أهل البيت
وأكّد سماحة الشيخ الصفار أن الانفتاح على مدرسة أهل البيت يخدم الأمة الإسلامية بجميع مذاهبها ومدارسها، وذكر مجموعة من المكاسب الكبيرة في هذا الجانب:
- البحث عن المعرفة والحقيقة، يقول تعالى: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾، وروي عن رسول الله : «الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها»، وورد عن نبي الله عيسى قوله: ((خذوا الحق من أهل الباطل، ولا تأخذوا الباطل من أهل الحق. كونوا نقّاد الكلام)).
- التعرف على الآخر، فأتباع أهل البيت يعيشون مع سائر المسلمين في بلادهم، فلابد من التعرف عليهم بشكل صحيح.
- الاستفادة من نقاط القوة في مدرسة أهل البيت ، وأشار إلى بعض نقاط القوة:
o المخزون والثروة الروحية العظيمة الموجودة في مدرسة أهل البيت .
o الآراء الفقهية في مدرسة أهل البيت والتي من شأنها أن تحل مشاكل وعقد يواجهها أتباع المذاهب الأخرى.
وأشار الشيخ الصفار في ختام المحاضرة إلى بعض النماذج الإيجابية من الانفتاح على مدرسة أهل البيت ومنها: مبرّة الآل والأصحاب في الكويت، وكتابات بعض العلماء السلفيين في المملكة حول أهل البيت ، مؤكداً أن تقديره لأصل الانفتاح بغض النظر عن الأسباب الخاصة لبعض هذه الجهات. وبغض النظر عن جزئيات وتفاصيل موارد الخلاف.
سماحة الشيخ الصفار يؤكد أن الانفتاح على مدرسة أهل البيت (ع)