ما ان تشرف على مدينة بنت جبيل حتى تشعر ان زلزالاً عنيفاً ضرب بكل قوته وعنفه هذه المدينة التي شكلت مركز مثلث المواجهة الاسطورية مع العدو “الاسرائيلي”، وتقوم اضلاع هذا المثلث بين عيتا الشعب ومارون الراس، وعيترون وعيناتا في هذه المدينة، خراب ودمار في كل مكان، هي صور حقيقية عن الدمار الكامل الذي حل في مدينة برلين في المانيا في الحرب العالمية الثانية، او مدينة ستالينغراد في الاتحاد السوفييتي، مع فارق اساسي، ان برلين احتلتها قوات الحلفاء وفرضت شروطها على الالمان، وان ستالينينغراد بدأ منها الهجوم المضاد الذي ظل يزحف حتى احتلال برلين، فيما بنت جبيل، مركز مثلث الصمود، كانت مركز المواجهة على خطوط جبهة طويلة والحقت بالاحتلال افدح الخسائر، ومنعت من اي اندفاع نحو الشمال، ويمكن التأكيد ان مدينة بنت جبيل، ومثلثها سجلا طوال ايام المواجهة اعظم البطولات، التي هزمت الجيش “الاسرائيلي” برياً.
وفي بعض التفاصيل التي رواها مقاتلو حزب الله لمراسل جريدة الخليج الاماراتية في القطاع الغربي في الجنوب اللبناني، ان ابطال المقاومة الاسلامية اوقعوا افدح الخسائر، في سلسلة من المواجهات والكمائن في صفوف العدو “الاسرائيلي”، في بنت جبيل وتلة مسعود ومارون وعيترون ومن هذه البطولات ان كميناً نصبه رجال المقاومة بعد نحو 15 يوماً من المواجهات، بين مارون الراس وبنت جبيل، لسيارة من المخابرات العسكرية “الاسرائيلية”، وعندما وصلت هذه السيارة الى نقطة المكمن هاجمها المقاومون على بعد عشرة امتار، وواجهوها بمختلف انواع النيران، فأجهزوا على كل عناصرها، كما حرقت الآلية المدرعة التي كانت تقلهم بالكامل وحينما حاولت وحدات الانقاذ والمساندة الصهيونية مساندتهم، لقيت مصيراً اسود، مما تطلب تدخل سلاح الطيران الحربي، الذي لم يجد شيئاً ليقصفه سوى جثث الجنود الصهاينة التي تناثرت.
ويصف احد المقاتلين معركة حدثت في مارون الراس، حينما حاصرت مجموعة من المقاومة، قوة “اسرائيلية” متقدمة. فرمتها بالصواريخ المضادة للدروع، فدمرت الآليات، ومن فر من الجنود كان رصاص المقاومين بانتظارهم، فأوقع جميع افراد المجموعة بين قتيل وجريح ويلفت المقاوم من بقي حياً او جريحاً في هذه المواجهة، تكفل به الطيران “الاسرائيلي” الذي تدخل لانقاذ هذه المجموعة فكان ان أحرقها بقنابله وصواريخه
ويسرد المقاوم الذي يصر على عدم اخذ اي صورة له مزيداً من قصص المواجهة، والصمود الاسطوريين اللذين خطهما المقاومون، مشيراً الى ان المقاومة لم تنتظر فقط تقدم العدو، بل احياناً كثيرة، كانت تفاجئ هذا العدو بهجوم صاعق ومدمر، فتوقع افدح الخسائر في صفوفه، وخصوصاً في قوات نخبة النخبة اللواء جولاني، ومن هذه المواجهات، ان المقاومين هاجموا في بلدة مارون الراس القوات “الاسرائيلية” من النخبة ووقعت مواجهات على بعد عشرين متراً او اقل، فأوقعوا فيها خسائر لم يكن بامكان العدو تصورها، وازاء حالة الارباك التي وقعت في صفوفهم، جعل الجنود الاحياء من جثث رفاقهم القتلى متاريس، خصوصاً بعد ان احترقت اربع دبابات “ميركافا” دمرها المقاومون بصواريخهم
بطولات وبطولات يرويها المقاومون في المواجهات مع قوات العدو “الاسرائيلي”، التي كثيراً ما هزت هذه القوات واربكت صفوفهم وجعلتهم يقصفون بعضهم بعضاً، وخصوصاً في بلدة مارون الراس، ومن هذه البطولات ان مجموعة من المقاومة لا يتجاوز افرادها عدد اصابع اليد الواحدة، نفذت عملية نوعية مع وحدة من “لواء غولاني”، فأوقعت فيها 12 جندياً قتيلاً، وتمكن المقاومون من اختراق هذه الوحدة من وسطها، حيث دارت اشتباكات عنيفة، امكن للمقاومين تشتيت هذه الوحدة الى مجموعتين، اعتقدت كل واحدة منها انها تواجه مجموعة من المقاومة وفيما انسحبت مجموعة المقاومة من الوسط، دارت اشتباكات عنيفة بين افراد الوحدة الصهيونية، فيما كان رجال المقاومة يساعدون القوة الصهيونية على تقتيل بعضهم البعض، واستمر الحال على هذا النحو لعدة ساعات، قبل ان يكتشف الصهاينة انهم يقتلون بعضهم، فيما انسحبت المجموعة المقاومة دون اي خسائر
وفي عيترون، احد اضلاع مثلث الصمود يطالك الدمار والخراب في انحاء مختلفة من هذه البلدة، وحال المواطنين كما بنت جبيل وعيتا الشعب وعيناتا، يؤكد على الصمود، في مواجهة العدو “الاسرائيلي”، لكن في موازاة هذا الصمود ثمة اسئلة كثيرة تطرح عن دور الحكومة والدولة اللبنانية، لمؤازرة هذا الصمود، بعد هذه المواجهات الواسعة والجريئة التي لم يسبق ان سجلت في تاريخ الصراع العربي الصهيوني ويلفت المواطن حسين سلامة، ان الاهالي يعودون الى عيترون، فلا يجدون المقومات الاولية للعيش حيث لا ماء ولا كهرباء، فيما عمليات رفع الانقاض محصور بمحاولات اهلية لا يمكنها ان تلبي الحاجة، اما وضع الطرقات، فإنها تحتاج الى رحمة وزارة الاشغال، في ظل العجز الذي تعيش فيه البلدية واذ يؤكد سلامة على ان عيترون التي طبعت على تاريخها بالصمود والمواجهة مع العدو “الاسرائيلي” لن تتخلى عن تاريخها المشرف، لكن على الحكومة ان تلعب دورها الوطني، فغيابها يجعلنا نطرح علامات استفهام كبرى عن سر غيابها وماذا تنتظر؟
والضلع الآخر من مثلث الصمود في هذا المحور، كان في بلدة عيناتا، الذي جعل العدو نحو 65 بالمئة منها دماراً وخراباً فمارس حقده وعنصريته نحوها، وهي البلدة التي وصفت بأنها بلدة العلم والعلماء والشعراء، فمن هذه البلدة العلامة السيد محمد حسين فضل الله، واوائل الشهداء في مواجهة العدو من هذه البلدة وهو الشهيد علي ايوب والد الزميل حسين ايوب، وفي هذه الحرب استشهدت والدته التي رفضت ان تغادر منزلها ففضلت ان تسحق فيه على ان تخرج مهجرة الى مدرسة او حديقة عامة عيناتا، التي تشهد إقبالاً من اهلها الذين جاؤوا ليتفقدوا ما بقي من املاكهم، يؤكدون مرة اخرى انهم مستعدون لمزيد من العطاء والتضحية من اجل كرامة الاجيال الطالعة، ويقول حسن فضل الله ان بلدتنا لن تورث الاجيال المقبلة سوى العزة