يبدو أن لمعان الذهب الأسود في الخليج والخوف على مصير اللقيط الصهيوني والخدم الصغار من عرب الخوارج، قد أذهب بعقل وشل تفكير الرئيس الأمريكي جورج بوش
فما عاد يقرأ التاريخ الإستعماري للرؤساء الأمريكيين السابقين في العديد من بلدان العالم ( فيتنام - كوبا - إيران - لبنان)، ليستفيذ من العبر والمواعظ المستخلصة من تلك التجارب السابقة للإدارات الأمريكية المتعاقبة.
فبعد الخسائر الفادحة التي مني بها الجيش الأمريكي في فيتنام وخليج الخنازير (كوبا).
وبعد الفشل الذريع الذي منيت به القيادة العسكرية الأمريكية في عملية تحرير الرهائن في طهران، والذي تمثل بالتسديد الإلهي لقائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني (قدس سره) عبر إنزال الغضب السماوي على قوات الإحتلال الأمريكي في صحراء طبس.
وبعد تفجير السفارة الأميركية ومقرّ المارينز في بيروت، وغيرهما من الهجمات أوائل الثمانينيات، التي دفعت بالقوات الأميركية المحتلة إلى الإنسحاب من لبنان بعد مقتل أكثر من 241 من جنودها.
وبعد تعرض المدمرة كول ( التي ارسلت إلى السواحل اللبنانية) لهجوم إنتحاري قبالة سواحل عدن اليمنية في 12 تشرين الأول 2000، وأدى حينها إلى مقتل 17 من بحّارتها.
وبعد إسقاط المشروع الإستعماري الأمريكي في العراق وأفغانستان، عبر إفشال مخطط إحياء حلف بغداد القديم (عهد نوري السعيد) لمحاصرة قوى ودول الممانعة (إيران- سوريا - وحزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي)، كما حاولت واشنطن سابقاً محاصرة الإتحاد السوفياتي ومصر ( في عهد عبد الناصر)، وذلك بفعل ضربات المقاومة المسلحة التي ترفض الهيمنة الأمريكية لدولها.
وبعد تحقيق المقاومة الإسلامية لإنجازها التاريخي المتمثل بإنتصارها على العدو الصهيوني في حرب تموز، والذي أُعتبر بمثابة صفعةٍ قوية إن لم يكن ضربة قاضية لمشروع الشرق أوسطي الجديد، الذي تنادي به وتسوق له الإدارة الأمريكية في المنطقة.
وبعد فشل التهويل العسكري الأمريكي في مياه الخليج، في حمل الجمهورية الإسلامية الإيرانية على التنازل عن حقها المشروع في إستعمال الطاقة النووية للأغراض السلمية.
فإن كل تلك الأحداث التاريخية لم تستطع أن تُعيد الإدارة الأمريكية إلى جادة الصواب، أو على الأقل أن تُخفف من حدة العنجهية والبلطجة التي يتصف بها منظري الفكر اليميني - الصهيوني في تلك الإدارة.
فقد قال بالأمس مسؤول أميركي رفيع المستوى إن الولايات المتحدة قررت إرسال المدمرة يو إس إس كول إلى السواحل اللبنانية بحجة أنها "تعتقد أن إظهار الدعم مهم لإستقرار المنطقة. إننا قلقون جداً في شأن الوضع في لبنان. لقد طال أمده كثيراً". وأضاف "شعورنا أن العصبية إزدادت، في ظل التهديدات التي يطلقها حزب الله، والشعور العام بأن الأمور لن تحلّ".
وأوضح المسؤول نفسه أن السفينة كول غادرت مالطا يوم الثلاثاء، مضيفاً أنها لن تكون في مجال الرؤية من لبنان "لكنها ستكون في الأفق". وتابع أن ذلك "جزء من قرع طبول التحرّك من قبلنا وأعضاء آخرين في المجتمع الدولي لإظهار القلق من السلوك السوري".
وقال المسؤول الأمريكي إن "الهدف هو تشجيع الإستقرار خلال فترة حرجة فعلاً"، مشيراً إلى أن المدمرة كول من الممكن أن تستبدل بالبارجة البرمائية الهجومية ناسو الموجودة حالياً في المحيط الأطلسي، وفي طريقها إلى البحر المتوسط.
وذكرت وكالة "رويترز" أن الرئيس الأميركي جورج بوش أمر بهذا التحرك بداية الأسبوع لإظهار القلق حيال الوضع في لبنان، وأنه أبلغ حلفاء الولايات المتحدة بالأمر. إلا أن المتحدث باسم البيت الأبيض، جوردون جوندرو، لم يؤكّد ذلك، واكتفى بالقول "إن الرئيس قلق من الوضع في لبنان ويناقش القضية دائماً مع فريق مجلس الأمن القومي".
وذكرت شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية الأميركية أن سفينتين حربيتين أخريين في طريقهما إلى البحر المتوسط في إطار خطة إنتشار "روتينية" هما المدمّرة "يو إس إس روس" وطراد البحر "يو إس إس فيليبين".
وفي السياق نفسه، قال نائب وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، نيكولاس بيرنز، في مؤتمر صحافي، إن "إستمرار الضغط على الحكومة السورية على شاكلة ما أعلنته وزارة الخزانة هو الأسلوب الصحيح الذي يتبعه بلدنا"، في إشارة إلى إدراج الوزارة المذكورة أمس أربعة سوريين على قائمة عقوباتها بحجة إتهامها لهم بتسهيل نقل الأموال والأسلحة والمتطوعين عبر الحدود السورية لمصلحة تنظيم القاعدة في العراق.
وأضاف بيرنز أنه "يجب على سوريا أن تدرك ضرورة إتباع القواعد المعمول بها في الشرق الأوسط، وهي نادراً ما تفعل ذلك".
وشدد بيرنز على "أننا منزعجون من الإتحاد بين سوريا وإيران في ما يتعلق بدعم الإرهاب. فهناك إجتماعات بين الجانبين. وكلاهما يدعم الجماعات الشريرة في الشرق الأوسط، وحزب الله إحدى هذه الجماعات". وأضاف "إن هذه المجموعة من الدول والمنظمات الإرهابية تثير القلق، وهي تسير بما يتعارض مع آمال وأحلام معظم الناس بأن يكون لبنان حراً ومستقلاً عن النفوذ والهيمنة السورية".
إن هذا التصرف العسكري الأمريكي المُصاحب لإتهامات مسؤولي إدارة البيت الأبيض إلى المعارضة اللبنانية وسوريا وإيران، هو في الواقع يُشكلُ دليلاً إضافياً على وجود حالة من الخوف والإحباط الأمريكي الناجم عن سلسلة الفشل الذريع التي منيت بها الإدارة الأمريكية في إدارتها وتوجيهها لأزمات المنطقة، خصوصاً مع قرب إنتهاء ولايتها، فتحاول اليوم تلك الإدارة بإرسالها المدمرة كول إلى المياه الإقليمية اللبنانية، توجيه رسالةٍ شديدة اللهجة إلى دول وقوى الممانعة في المنطقة، بوجوب الرضوخ لإملاءاتها السياسية وهي:
1- ضمان أمن الكيان الصهيوني، عبر ضرورة رجم تهديد حزب الله له، من خلال التلويح بالعصا الأمريكية المكسورة أصلاً.
2- وجوب الإذعان لشروط فريق السلطة اللبناني، الذي يدور في دائرة الوصاية الأمريكية، وذلك عبر إعطاء الأزمة اللبنانية بعداً أمنياً وعسكرياً، بشكلٍ يسمح بالتدخل الأجنبي علانيةً في الشأن اللبناني.
ومن هنا نستطيع أن نُدرك حقيقة السبب الرئيسي الذي يقف وراء تلك المحاولات الأمريكية المستمرة لإفشال الإجتماعات الرباعية ومعها المبادرة العربية.
إن واشنطن تريد تحويل لبنان إلى ساعي بريدٍ لإيصال رسائل تهويل سياسية إلى قوى ودول الممانعة في المنطقة.
3- إن واشنطن تريد ضمان بقاء وأمن بعض الأنظمة العربية الموالية لسياساته التوسعية في المنطقة، خصوصاً بعد إنكشاف حقيقة النوايا التآمرية لتلك الأنظمة حيال القضايا القومية أمام الرأي العام العربي، الذي بات يغلي بفعل إزدياد هول و بشاعة الجرائم الصهيونية في الأراضي الفلسطينية.