ثمّ للأسف الشديد يأتي بعض ضعاف النفوس بدل أن يقفوا ويقولوا نحن ضعاف ولا نملك شجاعة المواجهة ولا إرادة المواجهة ولا روح التضحية في هذه المواجهة دفاعا عن شعوبنا وبلداننا وعن مقدساتنا، بدل أن يعترفوا بضعفهم ووهنهم يأتون ليبدلوا الفكرة ويشوهونها وليقولوا أنّ المقاومة خيار غير منطقي وغير عقلائي. يُصبح، أن يدخل رجل واحد بعصاه ليواجه كل لصوص الهيكل، يصبح جنونا وثقافة موت، تصبح التضحية والوفاء والإستعداد للشهادة والدفاع عن الكرامة والأوطان ثقافة موت، أمّا ثقافة الحياة فهي التي تبدل العدو المحتل القاتل المغتصب المرتكب للجرائم والمجازر إلى جارٍ إقليمي يجب أن نفكر كيف نتسامح معه ونتعايش معه.
يبدأون بالتنظير لروحهم المهزومة لعقولهم المغلوبة فنجد اقلاما مأجورة او قد لا تكون مأجورة اقلاما مهزومة وهذه من سيئات الارتداد. بعض الثائرين الماضين بعض الثوار السابقين والعقائديين السابقين والمقاومين السابقين، عندما ينقلبون يكون انقلابهم اسوأ مما كان في صف الاسرائيلي من اليوم الاول . هذه هي سيئات الارتداد. قولوا تحدثوا عن روحكم المهزومة، ولكن هذه ليست روح الشعب اللبناني وليست روح الشعوب العربية وليست روح امتنا على الاطلاق.
نحن ايضا منذ البداية كنا نخوض معركة الوعي مع الصهاينة الوعي في امتنا والوعي عند العدو، في معركة الوعي لم نكن فقط في مواقع الدفاع كنا في مواقع الهجوم لم نكن فقط بمواقع رد الفعل كنا في مواقع صنع الفعل. اليوم ابناؤكم ومقاومتكم وعماد مغنية وجهاد المقاومين في فلسطين ولبنان يصنعون الوعي الصهيوني الجديد، وانا استطيع القول ان المقاومة في مواجهة الصهاينة في منطقتنا وخصوصا في لبنان وفلسطين حققت انجازات كبيرة جدا في معركة الوعي.
لو عدنا قليلا الى الماضي في العام 82 وما بعده " انا حينما اتحدث عن المقاومة اتحدث عن كل المقاومة وكل الفاعلين في المقاومة "وعندما اتحدث عن المقاومة لا اقصد حزبا معينا او حركة معينة او تيار معين، نحن نحتفظ لكل المقاومين الذين كان لهم شرف المشاركة في المقاومة وكان لهم جهود كبيرة في فعل المقاومة على امتداد الساحة بمختلف انتماءاتهم العقائدية والإيديولوجية والسياسية. لا اذكر الاسماء لان الاسماء كثيرة واثبتت تجربتي عندما اتحدث عن قوى ولا اذكر البقية يتصل بي بعض الاخوة معاتبين او عندما اذكر بعض الشخصيات ولا اذكر البقية . " عدم ذكري لبعض الرموز وبعض الشخصيات او بعض القوى ليس تنكرا او تجاهلا لتضحياتها ونضالاتها " وانتم تعرفون انني عندما وقفت في بنت جبيل في 25 ايار ذكرت الاسماء وحاولت ان انصف الجميع، لم استطع الى ذلك سبيلا.
اذن الآن عندما اقول حركات المقاومة اقصد كل حركات المقاومة وانا لا اتحدث عن جهة محددة، وارجو الله وأتمنى ان يبادر البعض عندنا في لبنان الى كتابة التاريخ الموضوعي والمنصف غير الحزبي والطائفي وغير الفئوي عن حركة المقاومة اللبنانية منذ انطلاقتها الى الان والى المستقبل حتى لا يأتي يوم نناقش فيه كما يفعل بعضنا الان. يعني نحن على مقربة من بدايات القرن العشرين ومع ذلك هناك نقاش هل كان فلان او فلان من رموز المقاومة في لبنان؟ هل كانوا مقاومين ام قطاع طرق؟ اننا نخشى ان ياتي يوم يصبح فيه المقاومين في لبنان قطاع طرق ويصبح فيه العملاء في لبنان ابطال السيادة والحرية والاستقلال، هذا التاريخ يجب ان يكتب ويجب ان يحفظ.
منذ البداية كان هناك سؤال وفي معركة الوعي سأتحدث عن ثلاث مراحل: 1982 السؤال الذي كان يطرح: هل يمكن اصلا ان نقاتل الاسرائيليين؟ هل يمكن ان نقاوم؟ وأذكر بحكاية " هل تقاوم العين المخرز " هذا القياس خاطئ، اين وجه الشبه هنا؟ لا هم مخرز ولا نحن عين ولكن هذه من الادبيات اللبنانية الشائعة.
اذا كان النقاش في السنوات الاولى ان قتال الصهاينة جنون، وامر غير مقبول وغير متفهم. الحركات المقاومة في لبنان من العام 82 وحتى العام 85 وصولا الى العام 2000 هذا الوعي استطاعت من حسمه وقالت نعم، يمكن لشعب اعزل متروك من العالم ان يقاتل وان يقاوم وان يقف وان يحمل البندقية وان يطلق النار وان يقدم الاستشهاديين وان يفرض على العدو ان يعلن الحداد ثلاثة ايام في هذه الواقعة او تلك الواقعة.
هذا الوعي تكوّن عندنا وايضا تكوّن عند الصهاينة. انه نعم هناك من يملك عقل وارادة ووعي وثقافة عزم ان يحمل البندقية ويقاتل ولو كان الافق مسدودا امامه.
هذه المرحلة انجزت. وجاءت المرحلة الثانية وبدأنا نسمع من يقول يمكن ان تقوم مقولة لبنانية وان يقاتل الشباب اللبناني وان يحمل البندقية ولكن هل يمكنكم ان تهزموا الجيش الذي لا يهزم؟ هل يمكنكم ان تقهروا الجيش الذي لا يقهر؟ هذا محال لان هذا الجيش هزم الجيوش العربية ويتلقى دعما كبيرا من كل انحاء العالم. وهذا ما كان يعمل عليه في وعي الامة ووعينا جميعا .
طبعا انتصارات الجيش الاسرائيلي "المسرحية" وبعض الهزائم العربية " المسرحية " ثم جاء الاعلام ليضخم لنا هذا الجيش وليضخم لنا الجندي الاسرائيلي والضابط الاسرائيلي والجنرال الإسرائيلي والدبابة الاسرائيلية والطائرة الاسرائيلية ليضخم عدونا وليوهن في قدراتنا وإمكاناتنا وثقافتنا وعزمنا وقدرتنا على المواجهة. هذه المعركة ربحناها في العام 2000 لانه في هذا العام كان هناك نصر عسكري سياسي ميداني اسمه خروج الاحتلال من جنوب لبنان ولكن هناك انتصار ثقافي فكري ايديولجي عقائدي في معركة الوعي اسمه الاجابة على سؤال عمل على ترسيخ جواب له منذ عام 1948 الى العام 2000 سقط في 25 ايار عام 2000 في بنت جبيل وثبت ان هذا الجيش يهزم ويقهر ويذل ايضا.
في عالم 2000 قدمت المقاومة الصورة الحقيقية للجندي الاسرائيلي والضابط والجنرال الاسرائيلي .
بعد العام 2000 انتقل السؤال ولم يعد سؤال في العالم العربي يقول: هل يمكن ان نقاتل الجيش الاسرائيلي؟ هل يمكن ان نهزم الجيش الاسرائيلي؟ في مواجهة مقاومة عندما يحتل ارضا فنقاتله في ارضنا ونخرجه منها؟ انتهى هذا السؤال.
بقي هناك سؤال بعده لا يوجد سؤال هل يمكن ان يزول هذا الكيان من الوجود؟ قبل عام 2000 كان هذا الكلام مستحيل. قبل المقاومة اللبنانية والانتفاضة الفلسطينية الاولى والثانية كان هذا الكلام اساطير وخرافات وجنون، ولذلك تراجعت الكثير من المشاريع القومية والعربية والثورية وقالت لنكن واقعيين ومنطقيين، اذا اعطونا ال 67 " يكثر خيرهم "، لماذا؟ لانه هناك يأس ولا يوجد قناعة ان يأتي يوم ان تكون فيه فلسطين من البحر الى النهر تعود لاصحابها الحقيقيين. لم يكن هناك قناعة بذلك. لكن بعد العام 2000 هذا السؤال طرح.
انا اقول في العام 2006 قدمت اجابة جديدة وقوية على هذا السؤال لانه في حرب تموز لم يكن هناك جيش محتل ارضنا واخرجناه منها، بل كان هناك جيش يهجم علينا وكانت المقاومة تواجه هجوم قاسيا قويا كبيرا وحطمته وكسرته, ووجدنا صورة الاسرائيلي وشاهدنا الصورة الحقيقية للقيادات السياسية الاسرائيلية ولجنرالات اسرائيل ولضباط وجنود اسرائيل وصورة الدبابة الاسرائيلية والطائرة.
الصورة الاسرائيلية انكشفت على حقيقتها وصورة الجبهة الداخلية. هذا الشعب الذي لا يتحمل قصفا ولا تهجيرا ولا سكنا في الملاجئ لمدة 33 يوم، على الفلسطينيين واللبنانيين ان يتحملوا التهجير ل60 عاما. لكن الاسرائيليين، 33 يوم لا يتحملون تهجير ولا سكن في الملاجئ. وتنتهي الحرب بخسارة اسرائيل كشفت صورة الجبهة الداخلية واصبح هناك امكانية لجواب جديد. هل يمكن ان تزول اسرائيل من الوجود؟ نعم والف نعم يمكن ان تزول اسرائيل من الوجود.
بعد استشهاد الحاج عماد مغنية من هذا المنبر وفي هذا المجمع تحدثت عن هذه الإمكانية كسنة الهية حتمية وذكرت مجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية التي تؤدي الى هذه النتيجة. وخرج البعض في لبنان ليقول انني اتكلم خارج العصر وخارج الزمان وخارج ارادة الامة وخارج ثقافة الشعب اللبناني ووعي الشعب اللبناني. هذه ادعاءات وانا اذكر هنا ان بعض الجهات اللبنانية الموثوقة قامت باستطلاع رأي ونشر هذا في بعض الصحف اللبنانية، حيث وجهت مجموعة من الاسئلة بعد استشهاد الحاج عماد. لكن انا اريد ان اتحدث عن سؤالين وجوابين:
السؤال الاول: هل تؤيد العمل على اسقاط النظام الصهيوني؟ هذا السؤال سئل في لبنان في الدولة الخارجة من الحرب وفي الدولة المنقسمة على بعضها طائفيا ومذهبيا وفئويا وسياسيا والدولة التي تشهد صراعات سياسية حادة خارجة عن المألوف. يأتي جواب الناس من كل الطوائف الجواب:
الطائفة السنية الكريمة: " 90,3%" يؤيد العمل على اسقاط النظام الصهيوني. وعند الطائفة المسيحية الكريمة وهذا الرقم للذي يعرف تركيبة المنطقة والوضع في البلد والظروف السياسية يُدهش لهذا الرقم، اما الرقم السني فهو طبيعي جدا ومنطقي وهذا هو تاريخ السنة في لبنان وهذا واقعهم وحتى لو اراد احد ان يخرجهم من تاريخهم فهذه الحالة هي طارئة ومؤقتة وقسرية وهامشية.
عند الطائفة المسيحية الكريمة جاءت النتيجة " 77,4%" تؤيد العمل على اسقاط النظام الصهيوني.
الطائفة الدرزية الكريمة "66%" تؤيد العمل على اسقاط النظام الصهيوني على الرغم من قول البعض ان اسرائيل لم تعد عدوا وسوريا هي العدو .
اما الشيعة الذين كان لهم النصيب الاوفر من القتل والدمار والتضحيات في حرب تموز " 94,4%" يؤيد العمل على اسقاط النظام الصهيوني.
هل هذه القناعة معزولة عن الحادث الجليل والخطير الذي هو استشهاد القائد الشهيد الحاج عماد مغنية بالتأكيد كلا. هم أرادوا بقتل الحاج عماد احباطنا وتيئيسنا، القول لنا باننا ضعاف ويمكن ان ينالوا منا وبأننا سنقتل في كل ساح وفي كل واد، هم ارادوا كي الوعي عندنا ولكننا ننتمي الى مدرسة الامام الخميني الذي كان يقول اقتلونا فان شعبنا سيعي اكثر فأكثر.
ثقافة الموت هي عندما تكون ليثا فتقتل فتتحول الى نعجة، ثقافة الموت هي عندما تكون اسدا فتواجه وتقتل، وياتي اولادك ليسلموا رؤوسهم وايديهم الى الجلاد. اما ثقافة الحياة عندما يقتل الليث منا يعرف الابناء عدوهم فيتقدمون للاخذ بالثار ولمنع القتل ولمنع الاغتصاب ولمنع الاحتلال ولاعزاز الامة.